لنعذر أولادنا المراهقين: فهم المراهقة بمزيد من التعاطف والوعي
تمر مرحلة المراهقة بتغيرات جسدية ونفسية واجتماعية عميقة، تجعلها من أصعب مراحل النمو التي يمر بها الإنسان. في هذه المرحلة، يواجه المراهقون صراعات داخلية وخارجية كثيرة، تتراوح بين البحث عن الهوية الشخصية والاستقلال، والتعامل مع الضغوط الاجتماعية والأسريّة، مرورًا بالتغيرات الهرمونية والعاطفية التي تؤثر بشكل كبير على تصرفاتهم وأفكارهم. لهذا السبب، من الضروري أن نمنحهم مجالًا من التسامح والتفهّم، وأن نعذرهم على أخطائهم وسلوكياتهم التي قد تبدو للآخرين صعبة أو غريبة.
طبيعة المراهقة: مرحلة انتقالية معقدة
المراهقة هي فترة انتقالية بين الطفولة والبلوغ، تتميز بتغيرات بيولوجية حادة، مثل النمو السريع والتغيرات الهرمونية التي تؤثر على المزاج والسلوك. على المستوى النفسي، يبدأ المراهق في تشكيل هويته الخاصة بعيدًا عن سلطة الوالدين، ويبدأ بالبحث عن استقلاليته وتجربة أدوار جديدة في المجتمع. هذا الصراع بين الرغبة في الاستقلال والاعتماد على الأسرة يخلق نوعًا من التوتر الداخلي والارتباك.
علاوة على ذلك، يزداد المراهق حساسية تجاه النقد والرفض، ويصبح أكثر تقلبًا في المزاج، أحيانًا متفائلًا ومرتاحًا، وأحيانًا أخرى قلقًا ومتوترًا. هذا المزيج من العوامل يجعل سلوكيات المراهق أحيانًا غير متوقعة، أو حتى مرفوضة من قبل الأسرة أو المجتمع.
أسباب سلوكيات المراهقين التي تستوجب العذر
-
التغيرات الهرمونية وتأثيرها على المزاج
الهرمونات مثل الأندروجينات والاستروجينات تؤدي إلى تغيرات في كيمياء الدماغ، مما يجعل المراهق عرضة للتقلبات المزاجية، والعصبية، وأحيانًا العدوانية. هذه التغيرات لا يستطيع المراهق التحكم فيها بالكامل، وهو بحاجة إلى دعم وفهم بدلاً من اللوم. -
البحث عن الهوية والاستقلال
تعتبر المراهقة مرحلة اكتشاف الذات، حيث يحاول المراهق أن يحدد مَن هو بعيدًا عن سلطة الأهل. هذا قد يدفعه إلى تحدي القواعد، وتجربة سلوكيات جديدة، حتى لو كانت خاطئة أو مضرة، في سبيل معرفة حدود شخصيته ومكانه في العالم. -
تأثير البيئة الاجتماعية
المراهق يتأثر بشدة بزملائه وأصدقائه، ويكون معرضًا للضغط الاجتماعي لتبني سلوكيات معينة أو مواقف تجاه مواضيع مختلفة. هذا الضغط قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات أو تصرفات لا يوافق عليها بالضرورة، لكنها وسيلته للانتماء والتواصل مع مجموعته. -
التوتر والضغوط النفسية
التوقعات الأكاديمية، المشاكل الأسرية، والصراعات الداخلية كلها مصادر توتر تؤثر على سلوك المراهق. أحيانًا يعبر عن هذه الضغوط من خلال الانعزال، العدوان، أو حتى تمرد ظاهر، وهو في الحقيقة يحتاج إلى التفهم والدعم النفسي.
كيف يعذر الآباء والمجتمع أولادهم المراهقين؟
الفهم والتسامح مع المراهق لا يعنيان تجاهل السلوكيات الخاطئة، بل يعنيان التعامل معها بحكمة ونضج يراعي طبيعة المرحلة التي يمر بها المراهق. إليكم بعض المبادئ التي تساعد على تعميق هذا الفهم:
-
التواصل المفتوح والصادق: يجب أن تكون هناك قنوات اتصال مستمرة تسمح للمراهق بالتعبير عن مشاعره وأفكاره بدون خوف من العقاب أو الرفض. هذا يبني الثقة ويقلل من الشعور بالوحدة أو العزلة.
-
وضع حدود واضحة ومحترمة: رغم التسامح، يحتاج المراهق إلى قواعد واضحة تساعده على فهم ما هو مقبول وما هو غير مقبول، ولكن هذه القواعد يجب أن توضع بطريقة تحترم كرامته ولا تشعره بالقمع.
-
التعرف على التغيرات النفسية والجسدية: على الأهل والجهات التربوية أن يطلعوا على طبيعة المراهقة بشكل علمي، ليتمكنوا من قراءة سلوكيات المراهق بشكل صحيح، والتمييز بين ما هو طبيعي وما هو مقلق.
-
تقديم الدعم النفسي: في حالات القلق أو التوتر الشديد، يحتاج المراهق إلى دعم مهني من أخصائي نفسي، وليس مجرد لوم أو رفض.
-
تعزيز الإيجابيات: يجب التركيز على نقاط القوة والإنجازات الصغيرة التي يحققها المراهق، لتعزيز ثقته بنفسه، وتقليل سلوكات التمرد التي تنبع من الشعور بالنقص.
دور المجتمع في دعم المراهقين
المجتمع له دور أساسي في توفير بيئة داعمة للمراهقين، بعيدة عن الأحكام المسبقة والنظرات السلبية التي تزيد من إحباطهم. مؤسسات التعليم، مراكز الشباب، والأنشطة المجتمعية يجب أن تسهم في بناء جسر بين المراهقين والبيئة المحيطة بهم، بحيث يشعرون بالانتماء والاحترام.
كما يجب أن تُحسن السياسات العامة الخدمات المقدمة للمراهقين، سواء من حيث الصحة النفسية، أو التوجيه المهني، أو الأنشطة الترفيهية التي تساهم في تنمية مهاراتهم وتحسين جودة حياتهم.
عواقب عدم تفهم مرحلة المراهقة
إن عدم عذر المراهق وفهم خصوصية هذه المرحلة يؤدي إلى نتائج سلبية على مستويين رئيسيين:
-
على المستوى النفسي: قد يتعرض المراهق للاكتئاب، الانعزال، أو حتى اللجوء إلى السلوكيات الخطرة كالانسحاب الاجتماعي أو تعاطي المخدرات، بسبب شعوره بالرفض أو عدم الفهم من قبل من حوله.
-
على المستوى الأسري: تزداد الخلافات بين الأهل والمراهق، مما يهدد الاستقرار الأسري ويقلل فرص بناء علاقة سليمة تقوم على الثقة والاحترام.
مقارنة علمية بين ردود أفعال المراهقين والكبار
الدراسات النفسية الحديثة أثبتت أن دماغ المراهق لا يزال في طور النمو، خصوصًا في مناطق مرتبطة بالتحكم في الانفعالات واتخاذ القرارات مثل القشرة الجبهية الأمامية. هذا يعني أن ردود أفعالهم تكون أكثر اندفاعًا وأقل تخطيطًا مقارنة بالكبار، وهي ظاهرة طبيعية لا تستدعي العقاب أو الإهمال.
جدول يوضح الفرق في نمو الدماغ بين المراهقين والكبار
| المنطقة الدماغية | المراهق | البالغ | التأثير على السلوك |
|---|---|---|---|
| القشرة الجبهية الأمامية | غير ناضجة بنسبة كبيرة | ناضجة | ضعف السيطرة على الانفعالات |
| الجهاز الحوفي (العاطفي) | مفعّل بشكل قوي | متزن | تحكم أقل في ردود الفعل العاطفية |
| مراكز التخطيط واتخاذ القرار | في طور النمو | مكتمل | اتخاذ قرارات متهورة أحيانًا |
خلاصة
تتطلب مرحلة المراهقة منا جميعًا موقفًا من التفهم والرحمة، يتجاوز مجرد فرض القواعد والانضباط الصارم، ويأخذ في الاعتبار الخصوصيات البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تميز هذه المرحلة. عذر المراهقين لا يعني السماح لهم بكل شيء، بل هو أساس لبناء علاقة صحية قائمة على الثقة والاحترام، توفر لهم الدعم اللازم ليصبحوا أفرادًا ناضجين وقادرين على تحمل مسؤولياتهم في المستقبل.
المراجع:
-
Steinberg, L. (2014). Age of Opportunity: Lessons from the New Science of Adolescence. Houghton Mifflin Harcourt.
-
Blakemore, S. J., & Mills, K. L. (2014). Is adolescence a sensitive period for sociocultural processing? Annual Review of Psychology, 65, 187-207.
